من المتعارف عليه عالميًّا أنه لا توجد طريقة واحدة لتسعير الغاز الطبيعي، ولا توجد أيضًا سوق واحدة للتجارة في الغاز الطبيعي، بل توجد عدة طرق وعدة أسواق بحسب الموقع والبلد.
فهو يباع في اليابان بنحو 17 دولارا للمليون وحدة، حيث الطريقة الوحيدة لنقله من البلد المنتج هو تسييله ونقله بالناقلات البحرية العملاقة من ماليزيا وقطر وغيرهما من الدول المنتجة. وغالبًا ما يكون سعر هذا الغاز المسال مرتبطا ارتباطًا وثيقًا بأسعار النفط العالمية، فمثلًا كل برميل نفط يحتوي على نحو 5.8 مليون وحدة حرارية، فإذا كان سعر البرميل 100 دولار يكون بذلك سعر المليون وحدة حرارية من النفط نحو 17 دولارا، وهذه هي معدلات أسعار الغاز المسال العالمية. ولذلك فإن كثيرا من الدول المنتجة للغاز الطبيعي والمسال ترى ربط الأسعار بمعادلات سعرية على أساس أسعار النفط العالمية .
أما في أمريكا فينتج الغاز الطبيعي من الحقول سواء التقليدية أو غير التقليدية، ويباع حسب تسعير مركز هنري هوب لتجارة الغاز على أساس العرض والطلب. فمثلا إذا حصلت كارثة وتعطلت بعض خطوط الإنتاج فتعذر الحصول على الغاز مثلما حدث في عام 2006، حيث ارتفع السعر لأكثر من 12 دولارا للمليون وحدة حرارية. ولكن ما إن ترتفع الكميات المعروضة من الغاز ويقل الطلب يهبط السعر لمستويات بعيدة مثلما حدث في نيسان (أبريل) من عام 2012 عندما نزل سعر مركز هنري تحت دولارين للمليون وحدة حرارية عندما كثر العرض بسبب طفرة إنتاج الغاز الصخري في أمريكا، وعاد في نيسان (أبريل) 2013 وسجل 4.17 دولار. إذًا السوق الأمريكية غير مستقرة، وتعتمد على أشياء داخلية تخص القارة الأمريكية، وليست بالضرورة تهم العالم الخارجي مثل المناخ وكاترينا والغاز الصخري والعواصف التي تضرب خليج المكسيك والإمدادات من كندا عبر الأنابيب وكميات الطاقة البديلة المستخدمة، إضافة إلى نسبة استخدامات الغاز الطبيعي في الصناعة وتوليد الكهرباء وكوقود لوسائل النقل.
وفي أوروبا غالبًا ما كانت الأسعار تقع بين أسعار الغاز المسال العالمية والأسعار الأمريكية، حيث تدور نحو 10 ـــ 12 دولارا للمليون وحدة حرارية. وتحتكر روسيا جزءا كبيرا من السوق الأوروبية عبر شركة غاز بروم العملاقة. وتوجد أيضا تجارة لا بأس بها من تجارة الغاز المسال. لكن بشكل عام يوجد مصدران أساسيان للغاز فيها، أما الغاز الروسي عبر الأنابيب أو الغاز المسال عبر الناقلات، ولأن الغاز المسال مربوط بأسعار النفط العالمية يبقى الغاز الروسي مغريًا، ولو كان سعره أقل من سعر الغاز المسال بنحو 20 ـــ 40 في المائة.
وقد يرى البعض أن أسعار الغاز الطبيعي في مركز هنري هوب في أمريكا تصلح كمعيار للتسعير. لكن كما ذكرنا أن هذا المعيار لا يعكس الحالة العالمية، وإنما هو انعكاس لشأن داخلي بحت. فمثلًا من أطرف الأمثلة ما حصل بين مجموعة BG وغينيا الاستوائية. إذ تم توقيع عقد لمدة 17 سنة تقوم فيه مجموعة BG البريطانية بشراء 3.4 مليون طن سنويًّا من الغاز المسال من غينيا الاستوائية، وبدأ تنفيذ العقد في عام 2007.
الحقيقة أن القصة طريفة وتستدعي الانتباه؛ لأن فيها عبرة وفائدة. كانت أسعار الغاز الطبيعي الأمريكية في مركز هنري هوب في 2004 وقت توقيع العقد في حدود ستة دولارات للمليون وحدة حرارية، وارتفعت في عام 2005 إلى أكثر من عشرة دولارات للمليون وحدة. ونظرًا لارتفاع أسعار مركز هنري، ولأن معظم الغاز المبيع من غينيا الاستوائية كان موجهًا للسوق الأمريكية. رأت الشركة الغينية أن تربط أسعار الغاز المسال المبيع لمجموعة BGبأسعار مركز هنري، وينص العقد على أن يكون سعر الغاز المسال بقيمة 90 في المائة من سعر الغاز الطبيعي في مركز هنري. الحقيقة أن هذا العقد مناسب جدًّا لعام 2004، ولكنه لم يخطر ببال المسؤولين في غينيا الاستوائية أن أسعار مركز هنري ستنخفض بسبب طفرة الغاز الصخري، حيث وصلت ما بين ثلاثة إلى أربعة دولارات للمليون وحدة حرارية.
ولذلك باعت مجموعة BGالغاز المسال الغيني في السوق الآسيوية بنحو 17 دولارا للمليون وحدة حرارية، ودفعت مقابل كل وحدة لغينيا الاستوائية نحو 3.5 دولار هي 90 في المائة من قيمة الغاز في مركز هنري؛ أي أن BGربحت أكثر من عشرة دولارات للمليون وحدة حرارية، مما جعل أرباحها عالية جدًّا وصلت إلى مليار دولار العام الماضي من هذا العقد فقط. ولا يوجد في العقد بنود خاصة بإعادة التفاوض أو بالمشاركة بالأرباح إذا ما تم بيع الغاز خارج أمريكا. لم يعجب ما حدث حكومة غينيا الاستوائية، وأظهرت عدم رضاها، وقالت لو كنا نعلم أن هذا الغاز سيتم بيعه خارج الأرض الأمريكية لاختلفت شروط العقد. ولكي يتم إرضاؤهم وافقت BGعلى دفع نحو 80 مليون دولار إضافية لحكومة غينيا الاستوائية والقيام ببعض البرامج الصحية والاجتماعية لمساعدة السكان.
وهذا يذكرنا أيضًا بما حدث بين إيران وشركة دانا للغاز الإماراتية لتوريد الغاز من حقل سلمان إلى الشارقة. تم الاتفاق على سعر معين غالبًا يتراوح ما بين دولارين وأربعة دولارات للمليون وحدة حرارية. ولكن بعدما تم الانتهاء من مد الأنابيب تحت مياه الخليج العربي بعد نحو أربع سنوات من توقيع العقد، ارتفعت أسعار النفط وأسعار الغاز المسال العالمية. فرفض الإيرانيون الالتزام بالعقد بحجة أن قيمة الغاز بالعقد لا تعكس القيمة الحالية المرتفعة، ولذلك لجأ الطرفان إلى المحاكم الدولية لفض النزاع. وعندما أبرمت هذه الصفقة عام 2001 كانت أسعار النفط نحو ثلث مستوياتها الحالية. ومع ارتفاع أسعار النفط ارتفعت أسعار الغاز المسال العالمية، لذلك قالت إيران إنها تريد سعرًا أعلى ولم تلتزم ببنود العقد.
تعلم الكثيرون هذا الدرس، ولذلك نرى معظم العقود الجديدة ستبرم على أساس الأسعار العالمية للغاز المسال المرتبطة مصيريًّا بأسعار النفط. ولن تغفل الدول الإفريقية الناشئة في صناعة الغاز المسال مثل موزمبيق عن الخطأ الذي وقعت فيه غينيا الاستوائية..
إن ارتباط التسعير بأسعار النفط العالمية كما هو الحال في أسعار الغاز المسال أكثر عقلانية؛ لأن أسعار النفط العالمية موحدة وتعكس قيمة موارد الطاقة في كل زمان ومكان. وفي الماضي كان من الصعوبة ربط أسعار الغاز بالنفط؛ لأن النفط كان ينقل بالناقلات إلى كل بقعة في العالم، بينما الغاز الطبيعي ينقل بأنابيب بين الدول. ومع ازدهار صناعة وتجارة الغاز المسال أصبح الغاز الطبيعي كالنفط تمامًا ينقل إلى كل مكان في العالم، لذلك من الأجدى أن يربط مباشرة بالنفط على أساس المليون وحدة حرارية. ويوجد حاليًا 27 محطة حول العالم لاستيراد الغاز المسال وأربع قيد الإنشاء وأكثر من 30 محطة تحت التخطيط، مما يجعل الغاز المسال واسع الانتشار.
ليس من الحكمة أن تربط أي دولة تسعيرها للغاز بأسعار دولة أخرى؛ لأن لكل دولة ظروفها الداخلية والسياسية التي لا تشبه أحدا. لذلك فإن أسعار الغاز الطبيعي المسال هي المرجع الوحيد لتسعير الغاز الطبيعي في العالم؛ لأنها تعتمد على أسعار النفط العالمية التي أجمع العالم عليها .