بعد ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية يبدو أن أسواق الطاقة ستواجه منافساً جديداً ألا وهو هيدرات الميثان أو الثلج المشتعل نسبة لغاز الميثان الذي يحتويه.
حيث يقدر المخزون العالمي من هيدرات الميثان في جميع أنحاء العالم بمعدل 700 ألف ترليون قدم مكعبة، وهذا الرقم يفوق الاحتياطيات الحالية لموارد الغاز الطبيعي التقليدية بنحو 100 مرة.
وتتركز الكميات النشيطة من هذا الغاز في أطراف المحيط الهادئ على طول القارة الأميركية، وكذلك في اليابان وتايوان وإندونيسيا وبحر العرب.
ويعتقد العلماء أنها تشكلت نتيجة هجرة الميثان عبر الفوالق الجيولوجية إلى المناطق الباردة وتلامسه مع الماء فتتحد ذرات الهيدروجين الموجودة في جزيئات الماء مع نظيراتها في الغاز حيث يتشكل مزيج من الماء والميثان متجمد ذو بنية بلورية كثافتها 0,9 غ/سم3.
وتشير الدراسات إلى أن حجم الميثان الموجود على شكل هيدرات أكبر بـ /160/ مرة من حجم الهيدرات نفسها أي أن لتر واحد من هيدرات الميثان الصلبة يحتوي على 160 لتر من غاز الميثان عند الشروط النظامية من الضغط والحرارة.
ومحتوى الهيدرات من الطاقة يقدر ب 184000 وحدة حرارة بريطانية لكل قدم مكعبة.
وبنية الهيدرات بسيطة وتتشكل في ظروف خاصة من الضغط والحرارة، حيث تحاط كل جزيئة من الميثان بشبكة من جزيئات الماء فتبدو شبيهةً بالجليد.
تحديات الاستثمار :
ومن تحديات استثمار هيدرات الميثان أنها تصبح غير ثابتة في حال انخفاض الضغط أو ارتفاع الحرارة تحت ضغط ثابت، والمخطط التالي يبين علاقة سرعة تحرر الميثان من الهيدرات بتغيرات الحرارة والضغط حيث يظهر أن انخفاض الضغط لا يؤدي بالضرورة إلى تفككها طالما بقيت درجة الحرارة منخفضة والعكس صحيح.
كما واجه الحفر البحري في بعض المناطق مخاطر تحرر الميثان من الهيدرات وانفجار البئر بسبب اختراق رأس الحفر لطبقات الهيدرات، فيؤدي ذلك إلى تفككها وتحرر الغاز منها حين يتم تقليل الضغط ورفع الحرارة.
وقد حصلت بعض الهبوطات الكبيرة في الرصيف القاري النروجي تم ربطها بسلوك الهيدرات في عام 1987 حيث أدت إلى انتشار بقايا قاع البحر ورسوبياته بسماكة 450 متر ولمسافة 800 كم، وتسببت بعض الهبوطات بفعل تحرر الهيدرات بتولد موجات مد بحرية تسونامي رفعت التوضعات الرسوبية والمياه فوق المستوى الأعلى لسطح البحر بأربعة أمتار في أسكوتلندا في العام 1998.
آفاق استثمارها :
وبحسب تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية ومقره العاصمة البريطانية لندن فإن بعض الدول ستتمكن، من الاستفادة تجارياً من هيدرات الميثان الموجودة في أعماق البحار لتوليد الطاقة وعلى رأسها اليابان في السنوات القادمة.
ويتحدث عن تغير جذري في خارطة الطاقة عالمياً في السنوات القليلة القادمة. فالدول الآسيوية المستوردة للطاقة وعلى رأسها اليابان والصين و الهند قد تتحول إلى دول مصدرة للغاز في حال تمكنت تلك الدول من الاستفادة من الكميات الهائلة المخزونة في أعماق البحار.
وبحسب التقرير ستكون الدول المنتجة للنفط والغاز أمام تحد جديد لا يقل خطورة عن ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية.
فاليابان التي فقدت ثلث مصادر الطاقة بعد إغلاق مفاعلاتها النووية إثر كارثة فوكوشيما، زاد اعتمادها مؤخراً على الغاز الطبيعي المسال المستورد من الشرق الأوسط إلى 45%، وذلك بزيادة قدرها 20%.
وتدفع اليابان قرابة 15 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في حين أن السعر في الولايات المتحدة يتراوح من 4-5 دولار و في أوروبا 10 دولارات.
ولذلك أنفقت اليابان 700 مليون دولار على برنامج أبحاث خاص بهيدرات الميثان وحددت جدولاً زمنياً صارماً للاستفادة تجارياً من هذا الغاز في العام 2018، حيث نجحت بالفعل في استخراج 120 ألف متر مكعب من غاز الميثان.
وقامت شركة كونوكو فيليبس بالتعاون مع هيئة النفط والغاز والمعادن اليابانية و وزارة الطاقة الأمريكية بمشروع لإنتاج لاستثمار غاز الميثان، وفي نيسان من عام 2012 أعلنت وزارة الطاقة الأمريكية النجاح في الوصول إلى إنتاج مستمر من الغاز الطبيعي من هيدرات الميثان في المنحدر الشمالي لآلاسكا، وخلال التجارب الأولية تم حقن خليط من ثاني أوكسيد الكربون والنيتروجين في تشكيلات هيدرات الميثان لتسهيل تحرير غاز الميثان من الهيدرات، ما أدى إلى إنتاج الغاز وفي نفس الوقت خزن ثاني أوكسيد الكربون.
ويوضح التقرير أن دولاً أخرى تسعى للاستفادة من هيدرات الميثان تجارياً كالصين والهند وماليزيا. فالصين التي تمتلك احتياطياً كبيراً من هيدرات الميثان في شمالي بحر الصين الجنوبي، سوف تبدأ باختبار هيدرات الغاز في العام 2017، والاستفادة تجارياً منه بحلول عام 2030 .
أما الهند فقد حددت منتصف هذا العام 2015، للاستفادة تجارياً من هيدرات الميثان لذا فهي تعمل على تطوير معدات تمكنها من استغلال مخزونها في المحيط الهندي والتي تعادل 1500 مرة احتياطي غازها الطبيعي.
إيران من جهتها سارعت للدخول إلى هذا المجال الجديد من الطاقة بالإعلان عن خطط للاستفادة من هيدرات الميثان خاصة وأن بحر العرب في جزئه الشرقي يحوي كميات تقدر بـ6.4 ترليون طن من غاز الميثان في قاع البحر.
ويصطدم من يرغب باستخراج هيدرات الغاز بالكلفة العالية لاستخراجه وبعض المخاوف البيئية إذا ما قورن ذلك مع سهولة ورخص استخراج النفط والغاز التقليديين وأيضاً الغاز الصخري.
كما أن الاهتمام المتزايد في الغاز الصخري وانخفاض أسعار الغاز الطبيعي أضعف القدرة التنافسية لهيدرات الميثان. وقد دفع هذا الأمر كندا للتوقف عن تجارب استخراج هيدرات الميثان بعد أن أنفقت قرابة 16 مليون دولار.
لكن هذا الأمر لا ينطبق على كل الدول فالبعض يرى في الاستفادة من هيدرات الميثان فرصة للمستقبل على غرار ما جرى مع ثورة الغاز الصخري.
فالولايات المتحدة تنظر إلى هذا الأمر على أنه مزيد من التنويع في مصادر إمدادات الطاقة. وكذلك الأمر بالنسبة لليايان التي تجد أنه أمر استراتيجي يوفر الطاقة لها لمدة 100 عام مقبلة.
وبحسب تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية فإن الاستفادة من هيدرات الميثان سيؤدي إلى تغيرات جيوسياسية واضحة، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين الدول المستوردة للطاقة والمصدرة لها. فاليابان سيقل اعتمادها على غاز الشرق الأوسط والغاز الروسي كما أن العلاقة بين الصين واليابان ستكون أكثر تنافسية.
هذا بالإضافة لعلاقات دبلوماسية جديدة قد تنشأ بين قدامى المصدرين وعلى رأسهم دول الشرق الأوسط وزبائن جدد قد يقل عددهم في أسواق الطاقة.