يعد استخراج النفط من البحر offshore جزءاً من صناعة النفط لا يقل أهمية عن استخراجه من البر، ولكنه يتطلب خبرات وتقنيات خاصة تختلف قليلاً عن تلك التي تستخدم على اليابسة، كما أن تكاليف استخراجه أكبر.
وثمة عوامل كثيرة تؤثر في اختيار موقع البئر التي سيستخرج منها النفط أهمها: العامل الجيولوجي، أي وجود مكامن الهدروكربونات المكونة للنفط أو الغاز الطبيعي في الصخور تحت سطح الأرض، والعوامل الاقتصادية والقانونية، وتوافر الإمكانات التقنية لاستخراج النفط التي لا يمكن إغفالها عند كل محاولة لاستكشاف مكامنه.
يمكن عملياً حفر آبار النفط والغاز واستخراجهما من أي بقعة في العالم سواء على اليابسة أو في البحر أو في المستنقعات، ومن خط الاستواء إلى المناطق القطبية المتجمدة. والمعروف أن احتياطي النفط والغاز على البر أصبح محدوداً، وصار من النادر العثور على مناطق جديدة تحوي النفط فوق سطح اليابسة. ومع أن معظم نشاطات صناعة النفط مازالت تعتمد على مايستخرج من النفط والغاز من مواقع برية إلا أنها أخذت في التضاؤل مع ازدياد الطلب العالمي على الزيت والغاز ازدياداً مطّرداً. ولما كانت ثلاثة أرباع سطح الأرض مغطاة بمياه البحار فليس من المستغرب أن يتجه البحث عن مكامن الهدروكربونات نحو قعر البحر واستخراجها منه. وقد واجه المستكشفون صعوبات كبيرة في تحري مكامن الزيت في المناطق الشاطئية والبحرية، إلا أن التقدم المذهل في تقنيات الاستكشاف والحفر في السنوات الأخيرة ساعد على تطوير عمليات استخراج النفط من البحر وتسريعها إلى درجة كبيرة بدءاً من التنقيب والحفر الاستكشافي وانتهاء بالإنتاج والتخزين في المناطق البحرية مهما كانت العقبات، وعلى الرغم من التيارات البحرية والعواصف.
أول بئر في البحر تم حفرها في الولايات المتحدة الأمريكية
(سمرلند،كليفورنية) نحو عام 1900
لمحة تاريخية
بدأت أول عمليات استخراج النفط من البحر في مرحلة مبكرة من تاريخ صناعة النفط. ومن المعروف أن أول بئر منتجة تم حفرها في العالم كانت في بلدة تيتوسفيل Titusvilleمن ولاية بنسلفانية في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1859م. وبعد ثمانية وثلاثين عاماً من ذلك التاريخ أي في سنة 1897م تم حفر أول بئر بحرية (شاطئية). فقد لاحظ المنقبون عن النفط أن الزيت والغاز الطبيعي يطلقان فقاعات من الينابيع الكثيرة التي تحيط ببلدة سمرلند الصغيرة Summerland بالقرب من سانتا بربارة Santa Barbaraمن ولاية كليفورنية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد جاءت الآبار التي تم حفرها هناك بنتائج طيبة وتبين أن الآبار الأقرب إلى ساحل المحيط أكثر غزارة وتنتج زيتاً أفضل، فأقام هنري وليامس L.H.Williams رصيفاً بطول 90 متراً داخل البحر ونصب حفارة عليه وتمكن بها من حفر أول الآبار البحرية، ولم يمض وقت طويل حتى غص ذلك الساحل بالأرصفة والمراسي وبلغ أطولها نحو 400م في مياه المحيط (الشكل1). واتسعت منذئذ عمليات استخراج النفط من البحر حتى عمت مناطق كثيرة من العالم، وأكثرها ازدحاماً المناطق الضحلة في خليج المكسيك والخليج العربي. وبعد أن نمت خبرة المنقبين وإمكاناتهم التقنية، أصبح من الممكن إجراء المسح الجيولوجي في البحار المفتوحة، وصار من الممكن إقامة منصات الحفر على أعماق كبيرة مهما بلغ هياج البحر واشتدت تياراته، وراحت شركات النفط العالمية تتنافس على التنقيب عن النفط واستثماره في بحر الشمال والبحر المتوسط وبحر الصين وخليج تايلند والمحيطين الأطلسي والهادئ وفي المناطق القطبية. ولم يعد استخراج النفط من البحريعتمد أسلوب الأرصفة القديمة، فقد أمسى يعتمد على الفولاذ والأبنية الخرسانية والوسائل العائمة ونصف العائمة والغاطسة الثابتة منها والمتنقلة. وبلغ عمق فوهات بعض الآبار نحو 2000 متر تحت سطح الماء وعلى مسافات بعيدة جداً عن الساحل.
تشتمل أعمال الحفر في البحر اليوم على سلسلة تقنيات حديثة تشبه في كثير منها التقنيات البرية المستعملة في التنقيب والحفر والإنتاج والنقل. إلا أن لاستخراج النفط من البحر خصائصه التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبحر نفسه، وهذا مايدعو إلى تطبيق تقنيات إضافية كالرصد الجوي والهندسة البحرية والمسح البحري وتقنيات الاستقبال والربط والرسو والتعويم (الطفو) والثبات والتوازن (الاستقرار والاستواء) وغيرها. ومع أن عمليات الحفر واستثمار النفط والغاز مرحلتان مهمتان وأساسيتان فإن استخراج النفط من البحر يتطلب عمليات إضافية كالتنقيب، أي البحث عن الأماكن التي يحتمل وجود الزيت في تكويناتها الصخرية تحت قعر البحر، ونقل الزيت والغاز المستخرجين من أماكن إنتاجهما إلى المصافي والمعامل ومستودعات التخزين الموجودة غالباً على البر.
يتسرب النفط في المصيدةالمقببة إلى داخل المسام والطبقة النفوذة وينحصر هناك تحت الطبقة الكتيمة
الاستكشاف والتنقيب
تصنف آبار النفط والغاز في نوعين أساسيين هما الآبار الاستكشافية exploration wells والآبار المنتجة producing wells فالبئر الاستكشافية تحفر للتحقق من وجود الزيت أو الغاز في الصخور الباطنية والتأكد من جدواه الاقتصادية، وهذا مايدعو إلى تسميتها أحياناً «البئر الجزافية wildcat» أي التي تحفر جزافاً. أما الآبار الاستثمارية أو المنتجة فهي التي تحفر بعد أن تؤكد البئر الاستكشافية وجود النفط في المنطقة. وقد يحفر منها عدة آبار في الموقع نفسه لزيادة فاعلية الإنتاج.
كان المنقبون عن النفط في أيام نشوء هذه الصناعة، يفتشون عن الينابيع الطبيعية ويحفرون آبارهم حولها. وقد علمتهم الممارسة والخبرة تَبيُّن مؤشرات محددة تدل على وجود النفط في مكامنه تحت الأرض. ويظن الكثيرون خطأ أن النفط موجود في بحيرات أو أنهار تحت الأرض. والحقيقة أن النفط والغاز كليهما موجودان في ثقوب دقيقة تدعى المسام pores في بعض الصخور التي قد تبدو صماء. وقد يتصل بعض هذه المسام فيما بينها فيصبح الصخر نفوذا permeableيسمح للزيت بالحركة ويمكن استخراجه منه إذا وجد بكميات كافية في مساحة مقبولة من الصخر تغطي نفقات الحفر والاستكشاف والاستخراج ـ ولاسيما في البحر ـ وهي نفقات باهظة جداً.
يوجد الزيت والغاز غالباً في صخور رسوبية نفوذة تكونت من مواد سابقة لها. ويعد الصخر الرملي والصخر الكلسي أكثر هذه الصخور أهمية في نظر الجيولوجيين المهتمين بالنفط، كما أن للطين الصفحي، وهو من الصخور الرسوبية الكتيمة، وللصخور الكتيمة الأخرى أهميتها لأنها تمنع نفوذ السوائل الهدروكربونية المحصورة في الصخور حولها، فتؤلف مايعرف بالمصائد أو المحابس traps.
تتألف المصيدة على وجه العموم من طبقات من صخور نفوذة تحوي الهدروكربونات وطبقة صخرية كتيمة تؤلف حاجزاً يمنع السوائل والغازات من الخروج من مسامها في الطبقة النفوذة. وتنتج معظم المصائد عن حوادث جيولوجية تتسبب في تشوه طبقات الصخور كأن تكون طبقات أفقية تطويها حركات الأرض والزلازل فتصبح مقوسة أو مقعرة. والطراز الأساسي من المصائد هو الذي ينشأ عن التواء طيات folding الأرض أو تصدعها faulting